قدم مؤسس مؤسسة صحافة السلام سالم بن سهل ورقة بحثية حول “صحافة السلام ودورها في مواجهة خطاب الكراهية”، في الندوة التي نظمها مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي في اليمن.
أولاً: نظرة تحليلية لواقع الإعلام
منذ 2014 زادت الهيمنة السياسية على وسائل الإعلام، مما أدى إلى زيادة الاستقطاب داخل المجتمع اليمني وتعميق الخلاف السياسي، وبالعودة للوراء نرى أن المشهد الإعلامي اليمني مر بعدة مراحل.
هنا سنركز النقاش حول دور الإعلام في بناء السلام ومحاربة خطاب الكراهية، ولكن إذا ما نظرنا أولاً لحرية وسائل السلام خلال المراحل المختلفة، نجد أنها لا تتمتع بحرية مطلقة مما جعل الإعلام المستقل يغيب بشكل تام فجميع وسائل الإعلام موجهه وتحمل أجندات حزبية وسياسية حتى الفضائيات المهتمة بالفنون والثقافة تجد أن تمثل أجندة ممولها من خلال عدم ظهور مثقفي الطرف الآخر فيها إلى آخر ما هنالك.
إذن هذه الحرية تؤثر بشكل كبير على مفهومنا الأساسي لمصطلح خطاب الكراهية لأن فقداني لحريتي واستقلاليتي كصحفي في كتابة ما أراه يتناسق مع بناء السلام سيدفعني إجبارا لضرب أخلاقيات الصحافة في عرض الحائط والجري خلف وظيفتي التي أقتات منها وأجني منها الأموال حتى وإن كنت غير مقتنع بما أقدمه وحتى ولو كنت أعرف أنها تهدم النسيج المجتمعي وتحض على خطاب الكراهية.
ثانياً: دور الإعلام في وقت الأزمات والحرب الأهلية في اليمن
بالنسبة لوسائل الإعلام اليمنية نجد أنها انقسمت مع انقسام مؤسسات الدولة اليمنية وفقا للجغرافية على طول الحدود التي صنعتها الحرب فحيث ما يسيطر الطرف المشارك في الحرب سواء كان جماعة الحوثي أو الشرعية والإصلاح أو المجلس الانتقالي الجنوبي نجد أن هناك قنوات ووسائل اعلام مصاحبة تتبنى الخطاب الذي يفرضه الممول الذي يريد أن يروج لانتصاراته وتقدمه العسكري ويخبر الجميع بعدالة قضيته وأنه يريد إحلال السلام.
الآن أين موقفنا نحن كصحافة سلام أو كصحفيين يتبنون قضايا السلام، على فكرة نحن مع الجميع ونقف في خط متساوي مع كل أطراف الأزمة اليمنية ونسميهم بمسمياتهم الحقيقية ونرى أن ما يحدث هو ظاهرة طبيعية ولكنها يجب أن تغير من خلال الوعي الصحفي أولاً ثم من خلال الوعي الإداري من قبل ملاك وسائل الإعلام.
نحن كصحفيي سلام يجب أن نظهر استقلاليتنا في موادنا الصحفية حتى وان كنا نحمل قناعات وسياسات معينة يجب ألا نعكسها بطريقة تخل بأدبيات الصحافة وبطريقة تظهر أننا عديمي الكفاءة والنزاهة وبطريقة تؤدي إلى تأجيج خطاب الكراهية مثل ما نراه اليوم، هذه
العملية ليست صعبة أو معقدة ولا يمكننا أن نفرض على الصحفيين أن يقفوا حاجزاً ضد وسائل الإعلام التي يعملون فيها مما قد يعرضهم للتعسف والطرد.
على العكس تماماً نحن نؤمن بفكرة أو مبدأ أنه لو كانت الوسيلة التي تشتغل فيها تؤجج خطاب الكراهية، لا تغادرها، لأننا بكل بساطة نتبنأ فكرة التأثير، فلماذا لا تؤثر فيها؟ على الأقل ليس في التصدي الكامل لرسائلها التي تحمل خطابات مليئة بالكراهية، وإنما على الأقل في محاولة التخفيف من هذه الخطابات وحجبها جزئيا من خلال علاقاتك الودية مع زملائك في العمل.
ثالثاً: الخطوات العملية لاتباع منهجية صحافة السلام في اليمن
هناك ثلاث خطوات عملية لاتباع منهجية صحافة السلام، هي:
الخطوة الأولى: تتعلق بالمجالات التي يغطيها الإعلام كالسياسة والإقتصاد والتعليم والبيئة.
ففي السياسة لابد أن نبتعد عن الاستقطاب السياسي الذي يؤثر على رواية القصة الإخبارية من ناحية إطلاق المصطلحات مثل ميليشيا وإرهاب وعدو .. الخ.
وفي مجال الاقتصاد والذي أثر على تشغيل وسائل الإعلام وبالتالي أثر على دخل الصحفيين يجب أن نبتعد عن نشر الشائعات ونركز على كشف الحقائق من خلال خبراء الاقتصاد أنفسهم.
وفي مجال التعليم ألاحظ هذا بنفسي ويلاحظه الجميع وسائل الإعلام المحلية بالذات تروج لأخبار وزارة التربية والتي تدور رواياتها حول افتتاح مختبر مدرسي أو تدشين العام الجامعي أو تنظيم حفل تكريمي أو عقد اجتماع وزاري بينما هذه الأخبار الاستهلاكية لها تأثير سلبي وعكسي على التعليم وجودة التعليم فالقائمين على الوزارة أصبحوا ينظرون لأنفسهم بصورة الأبطال الذي أسهموا في حل أزمة التعليم، بينما هناك نازحين حتى اللحظة منقطعون عن الدراسة بالرغم أنهم في مساكن ومخيمات آمنة في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، فلماذا لا يتم إدماجهم في المدارس؟ أو على الأقل تفريغ مدرسين لهم؟ هنا يأتي دور صحافة السلام في الاهتمام بتغطية هذا المجال.
أيضاً نأتي إلى الثقافة نفس الشيء كخطوة عملية لوسائل الإعلام التي تريد أن تمثل السلام يجب أن لا تخلط بين الثقافة والسياسة فمن حق كل مثقف أن يعبر ويكتب بكل حرية ومن حقه أن يظهر على الإعلام فنحن كصحافة سلام يجب أن نبرز ونظهر الجميع فالحركة الثقافية والنشاط الثقافي مهم جداً في فترة الحرب.
أخيراً نأتي إلى مجال البيئة، هنا يجب أن نغطي القضايا البيئية مثل التهديد الذي يطال محمية شرمة بحضرموت، والتهديد الذي طال محمية الحسوة في عدن جراء التسرب النفطي، والتهديد العمراني الذي طال محمية خور امبيخه بالمكلا التي تحتوي على أشجار منجروف نادرة، بالإضافة للتركيز على تغطية جمال اليمن في محمية سقطرى والدعوة للاهتمام بالبيئة، الأمر الذي سينعكس على الاقتصاد والسياحة، وهو ما يتوافق مع منهجية صحافة السلام التي ترفض تغطية الحرب والتقدم العسكري وتأجيج خطاب الكراهية دون الالتفات للقضايا والمجالات الأخرى.
الخطوة الثانية: إذا ما أردنا أن نمثل منهجية صحافة السلام في وسائل الإعلام يجب أن نهتم بالقضايا الحقوقية، وهذا يشمل حقوق الإنسان وحقوق المرأة وحقوق الطفل وحقوق السجناء وحقوق الأسراء وكافة القضايا الحقوقية الأخرى.
والأهم يجب أن تدعم وسائل اعلام السلام تمكين المرأة وتهتم بالجندره والمساواة واشراك الصحفيات في المناصب الإدارية العليا في المؤسسات الإعلامية من منطلق الكفاءة وتخصيص محتوى إعلامي يدعم جهود النساء الناشطات في بناء السلام وكافة الناشطات في المجالات الصحية خاصة مع جائحة كوفيد وكافة المجالات الأخرى.
أما الخطوة الثالثة: فتتمثل في الالتزام بقواعد وخصائص صحافة السلام والتفريق بين صحافة السلام والصحافة التي تنتهج خطاب الكراهية أو ما تسمى بصحافة الحرب، ويشمل ذلك التعمق في فهم النزاع من خلال النظر إلى الأحداث السابقة والمتراكمة الي أدت إلى تطور النزاع، والبحث عن أرضية مشتركة تجمع أطراف النزاع حول فكرة أو رأي محدد ربما يكون نواة لتحقيق سلام عادل وشامل، ورفض الأخبار المضللة والمفبركة التي قد تمثل دعاية لأحد الأطراف من أجل إظهاره بصورة إيجابية وإظهار الطرف الآخر بصورة قبيحة باعتباره هو المنتهك الوحيد لحقوق الإنسان.
بالإضافة إلى ذلك فصحافة السلام هي صوت من لا صوت له، فهي موجهة للعامة وليس للنخبة، أي تهتم بنقل وجهات نظر الأشخاص الذين ليس لهم تأثير سياسي والمتأثرين بتداعيات الحرب أو ممكن تسميتهم بضحايا الحرب والذين لا يتيح لهم الإعلام الرسمي أو الاعلام الممول من أطراف النزاع فرصة لسماع أصواتهم أو رؤيتهم نحو اتفاقيات السلام ويشمل ذلك الفئات الضعيفة والمهمشة أثناء النزاعات مثل المرأة أو النازحين أو الأسرى أو الأطفال أو العمال المهاجرين.
وتتعمق صحافة السلام في سياق التقارير، حيث تقوم بالتحقق من المعلومة من مصادرها الموثوقة بدلاً من الروايات السطحية والمثيرة للعنف والنزاع، والتي من خلالها ينظر الصحفي إلى عواقب نقله للكلمات أو الصور أو الفيديوهات وتأثيرها على الرأي العام.

أضف تعليق