حين يُغتال النور في مدينة تبحث عن الحياة

1–⁦2⁩ من الدقائق

مقتل أفتهان المشهري مديرة صندوق النظافة والتحسين في تعز، لم يكن مجرد حادثة اغتيال جديدة تضاف إلى سجل الدم اليمني المثقل، بل هو انعكاس صارخ للوحشية التي تُغذّيها الفوضى، ومأساة تكشف بشاعة الواقع الذي يعيشه اليمنيون.

المرأة التي كرست جهدها في خدمة مدينتها، انتهت حياتها بطريقة تثير الفزع والأسى، هنا يتجلّى التناقض المؤلم، من يسعى لحفظ بيئة نقية ونظيفة، يُغتال في بيئة يسيطر عليها العنف.

هذه الجريمة ليست حادثاً معزولاً، بل هي ثمرة مُرّة لوضع أوسع يعيش فيه اليمن منذ سنوات، كبلد ممزق بالصراع، تغيب فيه المؤسسات الضامنة للحق والقانون، وتُهيمن فيه لغة السلاح على لغة الحوار، فحين يغيب العدل، يُفتح الباب أمام الانتقام، والفساد، والتصفية الجسدية، لتصبح حياة الإنسان مجرد تفصيل صغير في مشهد الصراع الكبير.

لكن المأساة هنا أعمق، فأفتهان المشهري امرأة قيادية معطاءة، والنساء في اليمن يتحملن عبئاً مضاعفاً، ففي بلد تمزقه الحرب، أصبحن النساء حاملات لرسالة الصمود في وجه الفوضى، ومع ذلك لا يسلمن من التهديد والاستهداف، سواء بشكل مباشر كما حدث مع المشهري، أو بشكل غير مباشر عبر الفقر، والحرمان، والتهميش.

إن استهداف امرأة قيادية بحجم المشهري هو استهداف لروح المشاركة النسوية التي أثبتت في كل محطات اليمن أنها قادرة على البناء حتى وسط الخراب، ولذلك أي سلام لا يحمي النساء ولا يعترف بحقهن في الأمن والمشاركة والقرار، سيظل سلاماً هشاً.

منظومة الفساد في اليمن هي من اغتالت المشهري ولكي نعالج هذه الإشكالية، فاليمن لا يحتاج فقط إلى اتفاق سياسي، بل يحتاج إلى عدالة انتقالية تُعيد الاعتبار لكل الضحايا، وتضع القتلة أمام المساءلة، الأمر الذي يؤكد على أن إعادة بناء الدولة يجب أن يكون على أسس قانونية تجعل حياة الإنسان – امرأة كانت أو رجلاً – مصونة ومحترمة.

إن مقتل أفتهان المشهري ليس مجرد خبر عابر، بل صرخة في وجه الضمير الإنساني، فما لم يتحقق العدل لها، ولكل القتلى الذين يسقطون يومياً، لن يتوقف نزيف الدم، وما لم يُصن الإنسان، لن يكون للسلام أي معنى.

أضف تعليق